فصل: مسألة حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المتمتع ينصرف إلى مكة فيريد أن يصوم السبعة الأيام بمكة:

وسئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج ينصرف إلى مكة، فيريد أن يصوم السبعة الأيام بمكة، قال: قال عز وجل: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فأرجو أن يكون في سعة، وكأنه رآه من الرجوع.
قال محمد بن رشد: لما قال تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وما رجوعك من منى رجوعا، فأجاز له أن يصومها في حال رجوعه إلى بلده في طريقه، وإن كان الاختيار عنده ألا يصومها إلا في بلده، يدل على ذلك قوله، فأرجو أن يكون في سعة، قال في كتاب ابن المواز: إذا رجع إلى أهله أحب إلي ألا يقيم بمكة، وهو معنى قوله في المدونة أيضا، ومن أهل العلم من لم يجز له أن يصومها إلا في بلده، ومنهم من لم ير قول الله عز وجل: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]، شرطا وجعله توسعة وتخفيفا، مثل قوله عز وجل في الصيام: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فأجاز له أن يصوم العشرة الأيام كلها في الحج، كما يجوز للمريض والمسافر أن يصوم في رمضان، وإلى هذا ذهب ابن حبيب.

.مسألة المحرم أينشد الشعر:

وسئل مالك عن الرجل المحرم أينشد الشعر؟ قال: لا، إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقلله بيده.
قال محمد بن رشد: الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، إلا أن مالكا كره للمحرم الإكثار منه؛ لما فيه من التلهي به، وكفى من عيب الإكثار منه أن الله لم يرضه لنبيه عَلَيْهِ السَّلَامُ فقال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] الآية، ولا بأس أن ينشد اليسير منه متمثلا به، قال ابن حبيب: ما لم يكن فيه خنا وذكر النساء، وقد فعله أبو بكر وابن عباس وغيرهم، وقد أجاز جماعة من السلف أن ينشد المحرم ما فيه التشبب بالنساء، وقال: إنما الرفث المنهي عنه ما روجعن به.

.مسألة أفاض إلى مكة فطاف بالبيت فلما فرغ سمع الأذان:

ومن كتاب سلعة سماها:
مسألة وسئل عن رجل أفاض إلى مكة، فطاف بالبيت، فلما فرغ سمع الأذان، هل ترى له أن يقيم حتى يصلي؟ قال: أرجو أن يكون ذلك واسعا إن أقام أو خرج.
قال محمد بن رشد: معنى هذا فيمن أفاض يوم النحر، أو في يوم من أيام منى؛ لأن الاختيار أن يرجع إلى منى يصلي بها الظهر إن كان أفاض في ضحى النهار أو المغرب، إن كان أفاض في آخره، وكذلك فعل رسول الله حين أفاض يوم النحر في صدر النهار، وقد روي أنه أفاض في آخره، وسيأتي هذا في رسم الحج الثاني من سماع أشهب.

.مسألة يجب عليه المشي إلى الإسكندرية فيسير منها إلى الفسطاط:

وسئل عن الرجل يجب عليه المشي إلى الإسكندرية، فيسير منها إلى الفسطاط، وهو يريد المشي، فيقيم بالفسطاط شهرا، ثم يريد المشي بعد ذلك، قال: نعم، لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك ليس بتفريق للمشي إذا كان ذلك كله في عام واحد، ولو مشى من الإسكندرية إلى الفسطاط، وهو يريد المشي، فأقام في الفسطاط إلى عام آخر من غير عذر، ثم مشى بعد ذلك لما أجزاه مشيه على قول ابن حبيب فيمن كان عليه مشي، فركب فيه متعمدا من غير عذر على أن يقضيه في عام آخر، وهو الذي يأتي على ما في المدونة، فيمن مشى فعجز عن المشي، فركب، ثم خرج في عام آخر فمشى ما ركب أنه يهدي؛ لأنه فرق مشيه، إذ لو كان له أن يفرقه من غير عذر لما كان عليه الهدي، إذا فرقه من عذر، إلا أن قوله ليس على أصله فيمن نذر صيام شهر له أن يفرقه إلا أن ينويه متتابعا، فيلزم عليه أن يجزيه المشي، وقول ابن حبيب صحيح على أصله في الصيام، وعليه قاسه، والحمد لله رب العالمين.

.مسألة الموسم أهو الأسواق أو الحج:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
مسألة وسئل عن الموسم أهو الأسواق أو الحج؟ قال: بل هو الحج.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الموسم إذا أطلق، فإنما يقع على الحج وإياه يراد به، وإن كانت الأسواق والمجتمعات كلها مواسم، وإنما سميت مواسم؛ لأن الناس يجتمعون فيها يتقابلون ويتعارفون، قال عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، وقال الخليل: الموسم موسم الحج، وإنما سمي موسما؛ لأنه معلم يجتمع إليه، وكذلك كانت مواسم أسواق العرب في الجاهلية.
قال محمد بن رشد: فلو أن حالفا حلف ألا يكلم فلانا في الموسم، حنث إن كلمه في الحج، إلا أن يكون نوى سوقا من الأسواق، وأتى مستفتيا؛ لأن الموسم قد يعرف بالحج، وقد قرئ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج.

.مسألة حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها:

ومن كتاب ليرفعن أمرا إلى السلطان:
مسألة وسئل عن امرأة حلفت بالمشي إلى بيت الله فماتت، فأراد أولياؤها أن يمشوا عنها، قال: لو أهدوا هديين كان أحب إلي، فإن لم يجدوا فهديا واحدا، قال سحنون: لا يلزم أولياءها أن يمشوا عنها إلا أن توصي بذلك.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك أنه لا يحج أحد عن أحد، ولا يمشي أحد عن أحد؛ لأن ذلك من أعمال الأبدان قياسا على ما أجمعوا عليه في الصلاة، إلا أنه يقول: إن أوصى بذلك نفذت وصيته بالحج لما جاء في ذلك، عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، ولم ينفذ في المشي، وأهدي عن الموصي هديين، قاله هاهنا، وفي رسم حلف بعد هذا، وفي المدونة هدي للمشي، وهدي لما يكون فيه المشي؛ إذ لا يكون إلا في حج أو عمرة، وفي سماع سحنون من هذا الكتاب لابن القاسم إذا أوصى أن ينفذ عنه ما يجب عليه في المشي الذي نذر، يهدي عنه بقدر الكراء، والنفقة هدايا إلى مكة، ولا يمشي عنه، ونحوه في سماع أشهب من كتاب النذور، وذهب سحنون إلى أنه تنفذ وصيته في الحج، وفي المشي قياسا على الحج، وهو قوله هاهنا، وابن كنانة لا يرى أن تنفذ وصيته في الحج، ولا في المشي، ويهدى عنه بقدر النفقة في ذلك هدايا، أو يتصدق بذلك عنه، وقول ابن كنانة القياس على المذهب في أنه ليس من البر أن يحج أحد عن أحد، وإنما ينفذ من الوصايا ما فيه بر وقربة، إلا أن من أصل مذهب مالك مراعاة الخلاف، وهو استحسان، واستحب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في رسم باع غلاما بعبد، هذا لمن وعد أباه أن يمشي عنه أن يفي عنه بما وعده به من ذلك من ناحية وجوب الوفاء بالعهد في الجائزات.

.مسألة يقبل الحجر ويسجد عليه:

وسأله ابن وهب فقال: إن بعض الصحابة كان يقبل الحجر ويسجد عليه، وإن أهل مكة ينكرون ذلك، فأنكر ذلك إنكارا شديدا، وقال: الذي سمعناه القبلة.
قال محمد بن رشد: قد روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، ولم يصح ذلك عند مالك، فأنكره ورآه بدعة، إذ لو كان من السنة، ومما فيه قربة لا تصل به العمل، وعرف ذلك واشتهر، وذهب ابن حبيب إلى ما روي من ذلك عنهما، وقال: ما أرى كراهية مالك لذلك إلا في الفتوى خيفة أن يرى واجبا، فلا بأس به للرجل في خاصة نفسه، والأول من قوليه أظهر.

.مسألة أحرم يوم التورية وهو متمتع أيصوم يوم عرفة:

وسئل عمن أحرم يوم التورية، وهو متمتع أيصوم يوم عرفة؟ قال: لا بأس به، ويعني بذلك، ويصوم يومين من أيام التشريق.
قال محمد بن رشد: هذا على أصله في أن صيام الثلاثة الأيام في الحج والسبعة بعد الرجوع لا يلزم متابعة شيء من ذلك، وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب أن الثلاثة الأيام متتابعات، لا يجوز له صيام يوم عرفة من أجل فطر يوم النحر بعده، فيصوم الثلاثة الأيام على مذهبه بعد يوم النحر، فيفطر يوم النحر، ثم يصوم بعد ذلك، وإنما كان له أن يصوم بأيام منى مع ما جاء من الأمر بفطرها من أجل أن الله أوجب عليه صيام الثلاثة الأيام في الحج بقوله:
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]، وروي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية ابن عمر أنه قال في المتمتع إذا لم يجد هديا، ولم يصم أيام العشر، أنه يصوم أيام التشريق، فكان ذلك مخصصا لما جاء عنه من الأمر بفطرها، وقد اختلف فيمن يجب عليه صيامها في الحج على أربعة أقوال؛ أحدها: أن الذي يجب ذلك عليه المتمتع والقارن خاصة، وهو قول أصبغ قال: ولا يجب الصيام في الحج على غيرهما ممن أفسد الحج أو فاته الحج وشبههم، إلا استحسانا لا إيجابا. والثاني: أن الذي يجب ذلك عليه المتمتع والقارن والمفسد لحجه، والذي فاته الحج هؤلاء الأربعة لا غير، وهو قول ابن القاسم في العشرة. والثالث: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة، وعلى كل من وجب عليه الهدي لشيء تركه من أمر الحج من يوم إحرامه به إلى يوم وقوفه بعرفة. والرابع: أن ذلك يجب على هؤلاء الأربعة، وعلى من ترك من الحج ما يوجب عليه الهدي كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعد الوقوف بها من ترك النزول بالمزدلفة، أو ترك رمي جمرة العقبة، أو جمرة من جمرات أيام منى، وهذان القولان الثالث والرابع قائمان من المدونة، وفائدة هذا الاختلاف هل لمن فاته الصيام من حين أحرم إلى يوم عرفة أن يصوم أيام التشريق أم لا؟ فمن أوجب عليه أن يصوم الثلاثة الأيام في الحج أوجب عليه أن يصومها في أيام التشريق، إذا لم يصمها قبل ذلك؛ لأنها من أيام الحج بعد، ومن لم يوجب عليه أن يصومها في الحج لم يجز له أن يصومها في أيام التشريق للنهي عن صيامها، كل على مذهبه، فإن وجب عليه الهدي على القول الرابع من ترك الرمي في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق، فدم يجده صام بقية أيام التشريق، وأبو حنيفة لا يجيز صيام منى لمتمتع ولا غيره، قياسا على ما أجمعوا عليه في يوم النحر.

.مسألة محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق:

قال مالك: قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] عرفات، والمزدلفة، والصفا والمروة، فمحمل الشعائر في البيت العتيق.
قال محمد بن رشد: تأول مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أن الشعائر في هذه الآية مناسك الحج على ما ذكر، فالمنافع التي ذكر الله تعالى بقوله: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج: 33] على تأويله، هو العمل لله بما أمر فيها من عمل الحج، والأجل المسمى هو انقضاء أيام الحج، وقيل المنافع فيها الأسواق بها والتجارات فيها، والأول أظهر؛ لقوله عز وجل: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، أي محل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق بالطواف به، كما قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإن آخر المنتسك الطواف بالبيت، فقد تأول مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في موطاه على عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال ذلك من هذه الآية، وأما قوله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] الآية، فإنه الطواف الواجب لا طواف الوداع، وقد تأول أن الشعائر المذكورة في الآية هي البدن، وأن المنافع التي لنا فيها ركوبها ونتاجها وألبانها، إلى أجل مسمى، وهو إيجابها بدنا، وقيل: إن المنافع ركوبها بعد إيجابها هدايا عند الحاجة إلى ذلك، والأجل المسمى هو وقت نحرها، ومحلها الحرم الذي فيه البيت العتيق، وقد تأول أن المراد بالشعائر في الآية مناسك الحج والبدن جميعا.

.مسألة الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه:

وسئل مالك عن الثوب يصيبه الدهن هل يحرم فيه؟ قال: نعم، لا بأس به، قال ابن القاسم: إلا أن يكون مسكا أو عنبرا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الأدهان التي لا طيب فيها يجوز للمحرم أن يأكلها ويدهن بها يديه ورجليه من شقوق بهما، لا ليحسنهما، وهي لا تحسن الثوب بحال إذا أصابته، بل توسخه، فلا بأس بالإحرام فيه كما قال.

.مسألة للمحرم الماشي إذا هبط من بطن وادي محسر أن يسعى على قدميه:

قال مالك: أحب للمحرم الماشي إذا هبط من بطن وادي محسر أن يسعى على قدميه مثل ما يصنع الراكب، ويدعو بعرفات قائما، فإن أعيا جلس.
قال محمد بن رشد: بطن محسر ما بين مزدلفة ومنى، ويستحب للحاج أن يوضع فيه، ولا يجوزه حتى تطلع الشمس، وكان ابن عمر يحرك ناقته فيه قدر رمية بحجر، فاستحب للماشي أن يصنع من ذلك ما يفعل الراكب، والاختيار أن يقف بعرفات راكبا، وكذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن لم يكن راكبا دعا قائما، فإن أعيا جلس كما قال.

.مسألة المحرم يطأ جاريته وهي محرمة:

وسئل مالك عن المحرم يطأ جاريته وهي محرمة، قال: أرى أن يُحجَّها من قابل، ويُهدي عنها هديا، قال لي ابن القاسم: أكرهها أو لم يكرهها؛ لأن الأمة ليست في الاستكراه مثل الحرة.
قال محمد بن رشد: جعلها ابن القاسم في حكم المكرهة، وإن كانت طائعة لقدرته على إكراهها لو امتنعت لملكه إياها، وهو قوله وروايته عن مالك في كتاب ابن الماجشون، وذلك عليه وإن باعها، قال ابن المواز: وذلك عيب فيها يردها به المشتري إن شاء، وذلك نحو قوله في رسم نقدها، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، في الذي تزوج امرأة، فأدخلت عليه جارية امرأته فوطئها، وهو لا يعلم أنه لا حد عليه وعلى الجارية، خلاف قول ابن الماجشون في الذي زوج ابنته رجلا، فحبسها وأرسل إليه بأمته فوطئها، أنها تحد إلا أن تدعي أنها ظنت أنها زوجت منه، فيأتي على قول ابن الماجشون أنه ليس عليه أن يُحجَّها إن كانت طائعة، ويكون ذلك عليها إذا عتقت.

.مسألة المحرم يشتري الجارية فيقلبها لنفسه أو لبعض ولده:

وسئل مالك عن المحرم يشتري الجارية فيقلبها لنفسه أو لبعض ولده، قال مالك: لا أحب للمحرم أن يقلب جارية للابتياع وهو محرم.
قال محمد بن رشد: هذا يدل على أنه أن له أن ينظر في التقليب إلى معصميها وساقيها وصدرها، وهو دليل قوله في كتاب الخيار من المدونة؛ لأن الرقيق قد يجرد في الشراء، فكره ذلك له مخافة أن تعجبه فيلتذ بها، فيتراقى به الأمر إلى ما ينقص أجره أو يفسد حجه، أو يوجب عليه الهدي، وفي رسم طلق، من سماع ابن القاسم، من كتاب جامع العيوب، أنه لا ينظر عند التقليب إلى وجهها وكفيها، ويخبر عنها كما يخبر عن المرأة التي يتزوجها، فهذا القدر مما لا يتعلق به كراهية في حال الإحرام.

.مسألة المحرم يؤذيه الغبار أو الجيفة يمر بها أيضع يده على أنفه:

وسئل مالك عن المحرم يؤذيه الغبار أو الجيفة يمر بها، أيضع يده على أنفه؟ قال: نعم، قال ابن القاسم: واستحب له إذا مر على طيب أن يضع يده على أنفه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا؛ إذ لا قربة للمحرم في استنشاق الغبار والروائح القبيحة في إحرامه، فجائز له أن يضع يده على أنفه، وقد قال في رسم الحج الثاني، من سماع أشهب: إني لأرجو ألا يكون بذلك بأس، فكأنه رأى ترك ذلك أحسن، فعبارته هاهنا أحسن، وهو متعبد فيه، أعني في إحرامه، فيجتنب الطيب، فيكره له أن يشمه وإن لم يمسه، وقد قيل: إن الفدية تجب عليه في شمه وإن لم يمسه.

.مسألة يطوف بالبيت ويركع ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى:

وسئل مالك عن الذي يطوف بالبيت ويركع، ثم يمرض فلا يستطيع أن يسعى حتى ينتصف النهار، فكره أن يفرق بين الطواف والسعي، قال ابن القاسم: فإن أصابه ذلك افتدى.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في رسم حلف بعد هذا، ولم يفرق فيها بين أن يكون بطهر واحد أو بغير طهر واحد، كما فرق في سماع أشهب، وهذا أظهر؛ لأن السعي بين الصفا والمروة يجوز على غير طهارة، فلا وجه لاعتبار الطهر الواحد في ذلك، وأوجب ابن القاسم هنا على من أصابه ذلك الفدية، ولم يقل: إنه يعيد إن كان قريبا كما قال في سماع أشهب، وهو معناه إن شاء الله، فإن ذكر بالقرب قبل أن يحلق فأعاد الطواف والسعي ثم حلق؛ فلا هدي عليه، وإن ذكر بالقرب وقد حلق أعاد الطواف والسعي والحلاق، وكان عليه الذبح بسبب الحلق قبل تمام العمرة.

.مسألة يدفع من عرفة فيصيبه أمر يحتبس فيه فلا يصل إلى المزدلفة:

وسئل مالك عن الرجل يدفع من عرفة فيصيبه أمر يحتبس فيه من مرض أو غيره، فلا يصل إلى المزدلفة حتى يفوته الوقوف بها، قال: أرى أن يهريق دما.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الوقوف بالمشعر الحرام من مناسك الحج وسنته، وليس من فرائضه عند مالك، فيجزي عنه عنده الهدي، وذهب ابن الماجشون إلى أنه من فرائض الحج لا يجزي عنه الهدي؛ لقوله عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، والدليل على أنه غير واجب، تقديم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضعفة أهله بليل من المزدلفة إلى منى، فلم يقفوا بالمشعر الحرام، ولو كان الوقوف به واجبا لما قدمهم، كما لم يقدمهم من عرفة؛ إذ الوقوف بها ليلا من فرائض الحج؛ لأن الدفع من مزدلفة إلى منى أخف من الدفع من عرفة إلى المزدلفة، فتقديمهم في الأخف دون الأثقل دليل على سقوط وجوب الوقوف بالمشعر الحرام.

.مسألة ما يقول في التلبية من أراد أن يقرن بين الحج والعمرة:

قال مالك: الصواب فيمن أراد أن يقرن بين الحج والعمرة إذا أحرم بالتلبية أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، يبدأ بالعمرة قبل الحجة، هذا وجه الصواب فيه.
قال محمد بن رشد: يريد أنه يقدمها في نيته قبل الحجة، لا أنه يتكلم بذلك؛ إذ النية تجزي في ذلك عنده كالصلاة، ولا يحتاج ذلك إلى الكلام، ومثل هذا في الحج الأول في المدونة، وهو ما لا اختلاف فيه في المذهب.

.مسألة الارتجاز في الرمل:

وسئل عن قول عروة: لا إله إلا أنت، وأنت تحيي بعد ما أمت، قال: ليس عليه العمل، هذا أمر قد ترك.
قال محمد بن رشد: كان عروة يقول ذلك في رمله الأشواط الثلاثة بالبيت، وروي عن ابن عمر أنه كان يقول في ذلك: اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم؛ إنك الأعز الأكرم، فقول مالك ليس عليه العمل، يريد ليس العمل على الارتجاز في الرمل؛ لأنه أمر قد ترك العمل به، فليس ذلك مما يستحب به، بل المستحب ألا يقصد إلى الرجز، ويذكر الله بما أمكنه وتيسر عليه من تهليله، وتعظيمه، وحمده، والثناء عليه، والرغبة إليه.

.مسألة قدم الإحرام على التقليد والإشعار:

وسئل مالك عن البدنة متى تشعر؟ قال: تشعر وتقلد قبل أن يصلي الرجل بذي الحليفة، ثم يصلي ويحرم.
قال محمد بن رشد: قوله: تشعر وتقلد؛ لأن التقليد قبل الإشعار في الاختيار، وهذا مثل ما في المدونة، وهو الشأن والاختيار، وليس في ذلك إلا الاتباع، فإن قدم الإحرام على التقليد والإشعار، أو على أحدهما أو قدم الإشعار على التقليد، فلا حرج عليه في شيء من ذلك كله ولا دم، وإنما اختير تقديم التقليد والإشعار على الإحرام؛ لئلا يشتغل بذلك بعد الإحرام، واختير تقديم التقليد على الإشعار؛ لأنها قبل الإشعار أمكن، فتقليدها حينئذ أمكن، إذ قد يحدث الإشعار فيها تصعبا.

.مسألة يقال إن النبيذ الذي يعمل في السقاية من السنة:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
مسألة وقال لمالك رجل من الحجبة: إنه يقال: إن النبيذ الذي يعمل في السقاية من السنة، فقال: لا والله، يريد ما هو من السنة، قيل لمالك: إنه قد كان على عهد أبي بكر وعمر، قال: ما كان على عهدهما، ولو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين حين قدم علينا فيه، يقول: ليقطعه، فكرهه كراهية شديدة.
قال محمد بن رشد: وقد أنكر مالك أن يكون ذلك من السنة وأقسم على ذلك، وأنكر أن يكون على عهد أبي بكر وعمر، فكفى بقوله في ذلك حجة، فاتباع رأيه في ذلك صواب ورشاد؛ لأن الرشد في اتباع السنن والأمر الماضي.

.مسألة يطلع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفين:

قال مالك: استشارني بعض ولاة المدينة أن يطلع منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخفين، فنهيته عن ذلك، ولم أر أن يطلعه بخفين، فقيل له فالكعبة؟ فقال: إن بعض الحجبيين ممن قدم علينا يذكر أن النبي نهى أن تطلع الكعبة بنعلين، فقيل له: فالرجل يجعلهما في حجرته؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من كراهية أن يطلع أحد منبر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بخفين أو نعلي الإمام أو غير الإمام، وأن يدخل البيت بنعلين أو خفين إكراما لهما، وترفيعا وتعظيما؛ إذ من الحق أن ينزها عن أن يوطئا بالخفاف والنعال المتخذة لصيانة القدمين عن المشي بهما في الطريق والمحاج، وإن كانت طاهرة، ولم ير ابن القاسم بأسا في المدونة أن يدخل بهما في الحجر، وكره ذلك أشهب في المجموعة؛ لأن الحجر من البيت، قال: وكراهيتي لذلك في البيت أشد.

.مسألة شرب الفلونيا والترياق للمحرم وفيهما الزعفران:

وسئل مالك عن شرب الفلونيا والترياق للمحرم وفيهما الزعفران، قال: لا بأس به، قال: والذي فيه من الزعفران ليس له قدر، وما أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: أجاز ذلك؛ لأن الذي فيهما من الزعفران يسير لا قدر له ولا يظهر فيهما، فلم ير له حكما لما كان مستهلكا فيهما، كما أن لبن المرأة عنده إذا خلط بالطعام وعصد به حتى صار هو الغالب عليه لم تقع به حرمة، فليس ذلك بخلاف لما في المدونة وغيرها من أن الحرم لا يأكل فيه الطعام الذي فيه الزعفران، إلا أن يكون قد مسته النار، قال ابن حبيب: فتعلك بالطعام حتى لا يصبغ اليد ولا الشفة، زاد في هذه الرواية في هذا الرسم من الجامع، قال مالك حين ذكر شرب الترياق للمحرم، أشد من هذا عندي ما يصيب الناس في إحرامهم من طيب البيت فكرهه، كأنه يرى أن له في ذلك سعة، وأنه أمر لا يستطاع يقول: وكيف يصنعون وسياق مالك هذه المسألة عليها يدل على أنه إنما لم ير على المحرم في شرب الفلونية والترياق شيئا؛ لأنهما إنما يشربان لضرورة التداوي، بخلاف الطعام الذي يؤكل لغير ضرورة، فهي علة أخرى أيضا في الفرق بين ذلك وبين ما في المدونة.

.مسألة المعتمر أيحلق أحب إليك أم يقصر:

وسئل عن المعتمر أيحلق أحب إليك أم يقصر؟ قال: بل يحلق إلا أن تكون أيام الموسم، ويتقارب الحج مثل الأيام اليسيرة، فلا أرى أن يحلق، ويقصر أحب إلي.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الحلاق أفضل من التقصير؛ لأن الله بدأ به في كتابه: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، «ودعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين واحدة»، إلا أن يقرب الحج؛ فالتقصير في العمرة أفضل ليبقى عليه الشعث في الإحرام بالحج، وليبقى له ما يحلق فيه، وهو بين.

.مسألة نفست أو حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة:

قال مالك: أرى أن يحبس كري النفساء إذا نفست كما يحبس في الحيضة في الحج والعمرة.
قال محمد بن رشد: يريد إذا نفست أو حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة، يحبس عليها في النفاس ستين يوما أقصى دم النفاس، واستحسن في سماع أشهب أربعين في الطب، واختلف في الحيضة إن تمادى بها الدم، فقيل: يحبس عليها خمسة عشر يوما، وهو قول مالك في سماع أشهب، وفي الحج الثالث من المدونة أنه يحبس عليها أيامها المعتادة والاستطهار، ظاهره تطوف إن تمادى بها الدم، وتكون في حكم المستحاضة؛ تصلي وتصوم وتطوف ويأتيها زوجها
صفحة البداية الفهرس << السابق 93  من  553 التالى >>